الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {فكانت لمساكين}.في المراد بمسكنتهم قولان:أحدهما: أنهم كانوا ضعفاءَ في أكسابهم.والثاني: في أبدانهم.وقال كعب: كانت لعشرة إِخوة، خمسةٍ زمْنى، وخمسةٍ يعملون في البحر.قوله تعالى: {فأردتُ أن أعيبَها} أي: أجعلها ذات عيب، يعني بخرقها، {وكان وراءهم} فيه قولان.أحدهما: أمامهم، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن مسعود: {وكان أمامَهم مَلِك}.والثاني: خلفهم؛ قال الزجاج: وهو أجود الوجهين.فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه، ولم يعلموا بخبره، فأعلم الله تعالى الخضرَ خَبَرَه.قوله تعالى: {يأخذ كل سفينة غصبًا} أي: كل سفينة صالحة.وفي قراءة أُبيِّ بن كعب: {كلَّ سفينة صحيحة}.قال الخضر: إِنما خرقتها، لأن الملك إِذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلُها فانتفعوا بها.قوله تعالى: {وأما الغلام} روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا}.وروى أُبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا» قال الربيع بن أنس: كان الغلام على الطريق لا يمرُّ به أحدٌ إِلا قتلَه أو غصبه، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه. وقال ابن السائب: كان الغلام لصًّا، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل.قوله تعالى: {فخشينا} في القائل لهذا قولان.أحدهما: الله عز وجل.ثم في معنى الخشية المضافة إِليه قولان.أحدهما: أنها بمعنى: العلم.قال الفراء: معناه: فعلمنا.وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي.والثاني: الكراهة، قاله الأخفش، والزجاج.والثاني: أنه الخضر، فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم، قاله ابن الأنباري.وقد استدل بعضهم على أنه من كلام الخضر بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما}.قال الزجاج: المعنى: فأراد الله، لأن لفظ الخبر عن الله تعالى هكذا أكثر من أن يحصى.ومعنى {يرهقهما}: يحملهما على الرَّهَق، وهو الجهل.قال أبو عبيدة: {يُرْهِقَهُما}: يغشِيَهما.قال سعيد بن جبير: خشينا أن يحملَهما حُبُّه على أن يدخلا في دينه.وقال الزجاج: فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فرضي امروءٌ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب.قوله تعالى: {فأردنا أن يبدلَهما ربهما} قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: {أن يُبْدِلَهُما} بالتخفيف وقرأ نافع، وأبو عمرو بالتشديد.قوله تعالى: {خيرًا منه زكاةً} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: دينًا، قاله ابن عباس.والثاني: عملًا، قاله مقاتل.والثالث: صلاحًا، قاله الفراء.قوله تعالى: {وأقربَ رُحْمًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {رُحْمًا} ساكنة الحاء، وقرأ ابن عامر: {رُحُمًا} مثقلة.وعن أبي عمرو كالقراءتين.وقرأ ابن عباس، وابن جبير، وأبو رجاء: {رَحِمًا} بفتح الراء، وكسر الحاء.وفي معنى الكلام قولان.أحدهما: أوصل للرحم وأبَرّ للوالدين، قاله ابن عباس، وقتادة.وقال الزجاج: أقرب عطفًا، وأمسّ بالقرابة.ومعنى الرُّحْم والرُّحُم في اللغة: العطف والرحمة، قال الشاعر:والثاني: أقرب أن يُرحَما به، قاله الفراء.وفيما بُدِّلا به قولان.أحدهما: جارية، قاله الأكثرون.وروى عطاء عن ابن عباس، قال: أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيًّا.والثاني: غلام مسلم، قاله ابن جريج.قوله تعالى: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} يعني: القريةَ المذكورة في قوله: {أتيا أهل قرية}، قال مقاتل: واسمهما: أصرم، وصريم.قوله تعالى: {وكان تحته كنزٌ لهما} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه كان ذهبًا وفضة، رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقال الحسن، وعكرمة، وقتادة: كان مالًا.والثاني: أنه كان لوحًا من ذهب، فيه مكتوب: عجبًا لمن أيقن بالقدر ثم هو يَنْصَب، عجبًا لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبًا لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبًا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجبًا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفُل، عجبًا لمن رأى الدنيا وتقلُّبَها بأهلها كيف يطمئن إِليها، أنا الله الذي لا إِله إِلا أنا، محمد عبدي ورسولي، وفي الشِّق الآخر: أنا الله لا إِله إِلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقتُ الخير والشَّر، فطوبى لمن خلقتُه للخير وأجريتُه على يديه، والويل لمن خلقتُه للشر وأجريتُه على يديه، رواه عطاء عن ابن عباس.قال ابن الأنباري: فسُمِّي كنزًا من جهة الذَّهب، وجعل اسمه هو المغلَّب.والثالث: كنز علم، رواه العوفي عن ابن عباس.وقال مجاهد: صُحُف فيها عِلْم، وبه قال سعيد بن جبير، والسدي.قال ابن الأنباري: فيكون المعنى على هذا القول: كان تحته مثل الكنز، لأنه يُتعجَّل من نفعه أفضل مما يُنال من الأموال.قال الزجاج: والمعروف في اللغة: أن الكنز إِذا أُفرد، فمعناه: المال المدفون المدَّخَر، فإذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز هاهنا بالمال أشبه، وجائز أن يكون الكنز كان مالًا، مكتوب فيه علم، على ما روي، فهو مال وعِلْم عظيم.قوله تعالى: {وكان أبوهما صالحًا} قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحًا.وقال جعفر بن محمد عليه السلام: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء.وقال مقاتل: كان أبوهما ذا أمانة.قوله تعالى: {فأراد ربُّك} قال ابن الأنباري: لما كان قوله: {فأردتُ} و{وأردنا} كل واحد منهما يصلح أن يكون خبرًا عن الله عز وجل، وعن الخضر، أتبعهما بما يحصر الإِرادة عليه، ويزيلها عن غيره، ويكشف البُغية من اللفظتين الأولَيين.وإِنما قال: {فأردتُ} {فأردنا} {فأراد ربُّك}، لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتِّفاقه مع تساوي المعاني، لأنه أعذب على الألسن، وأحسن موقعًا في الأسماع، فيقول الرجل: قال لي فلان كذا، وأنبأني بما كان، وخبَّرني بما نال.فأما {الأَشُدُّ} فقد سبق ذكره في مواضع [الأنعام: 152، ويوسف: 22، والإسراء: 34] ولو أن الخضر لم يُقِم الحائط لنُقض وأُخِذ ذلك الكنز قبل بلوغهما.قوله تعالى: {رحمةً من ربك} أي: رحمهما الله بذلك.{وما فعلتُه عن أمري} قال قتادة: كان عبدًا مأمورًا.فأما قوله: {تَسْطِع} فإن استطاع واسطاع بمعنى واحد. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر}.استدل بهذا من قال: إن المسكين أحسن حالًا من الفقير، وقد مضى هذا المعنى مستوفى في سورة براءة.وقد قيل: إنهم كانوا تجارًا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلّة في لجة بحر، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عُبِّر عنهم بمساكين؛ إذ هم في حالة يُشفَق عليهم بسببها، وهذا كما تقول لرجل غنيّ وقع في وَهْلَة أو خَطْب: مسكينٌ.وقال كعب وغيره: كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم؛ خمسة زَمْنى، وخمسة يعملون في البحر.وقيل: كانوا سبعة لكل واحد منهم زَمَانة ليست بالاخر.وقد ذكر النقاش أسماءهم؛ فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذومًا؛ والثاني أعور، والثالث أعرج، والرابع آدَر، والخامس محمومًا لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم؛ والخمسة الذين لا يطيقون العمل: أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم؛ ذكره الثعلبي.وقرأت فرقة: {لِمَسَّاكِينَ} بتشديد السين، واختلف في ذلك فقيل: هم مَلاَّحو السفينة، وذلك أن المسّاك هو الذي يمسك رجل السفينة، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمى الجميع مسّاكين.وقالت فرقة: أراد بالمسَّاكين دبغة المُسُوك وهي الجلود واحدها مَسْك.والأظهر قراءة {مساكين} بالتخفيف جمع مسكين، وأن معناها: إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم. والله أعلم.قوله تعالى: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أي أجعلها ذات عيب، يقال: عِبتُ الشيء فعاب إذا صار ذا عَيب، فهو معِيب وعائب.وقوله: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} قرأ ابن عباس وابن جبير {صحيحةٍ} وقرأ أيضًا ابن عباس وعثمان بن عفان {صالحةٍ}.و{وراء} أصلها بمعنى خلف؛ فقال بعض المفسرين: إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه.والأكثر على أن معنى {وراء} هنا أمام؛ يَعضُده قراءة ابن عباس وابن جبير {وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا}.قال ابن عطية: {وراءهم} هو عندي على بابه؛ وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان، وذلك أن الحدث المقدّم الموجود هو الأمام، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي، وتأمّل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها: إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك؛ ومن قرأ: {أمامهم} أراد في المكان، أي كأنهم يسيرون إلى بلد، وقوله عليه الصلاة والسلام: «الصلاة أمامك» يريد في المكان، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان؛ وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ؛ ووقع لقتادة في كتاب الطبري {وكان وراءهم ملك} قال قتادة: أمامهم ألا تراه يقول: {مِن ورائِهِم جهنم} وهي بين أيديهم؛ وهذا القول غير مستقيم، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضجّ منها؛ قاله الزجاج.قلت: وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة؛ قال الهَرويّ قال ابن عرفة: يقول القائل كيف قال: {من ورائه} وهي أمامه؟ فزعم أبو عبيد وأبو عليّ قُطْرُب أن هذا من الأضداد، وأن وراء في معنى قدام، وهذا غير محصّل؛ لأن أمام ضد وراء، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، كقولك للرجل إذا وعد وعدًا في رجب لرمضان ثم قال: ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه، لأنه يخلفه إلى وقت وعده؛ وأشار إلى هذا القول أيضًا القشيري وقال: إنما يقال هذا في الأوقات، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك؛ قال الفراء: وجوزه غيره؛ والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك، فأخبر الله تعالى الخضر حتى عَيَّب السفينة؛ وذكره الزجاج.وقال الماورديّ: اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال: أحدها: يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله تعالى: {مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ} [الجاثية: 10] أي من أمامهم: وقال الشاعر:يعني أمامي.والثاني: أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يَجُوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها.
|